السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يسعدني ان التقي معكم في امسيتنا لهذه الليله وتحت نقاش أمور اجتماعيه نلتقي وبحروفكم نرتقي وبتوادكم نسعد ونرجو ان نوفق بتقديم ماهو مفيد عن موضوعنا وتتمه لما سبق نوضح الطلاق وآثاره على المرأة والاولاد والمجتمع
2
وعندما جاء الإسلام كان امتداداً لدين إبراهيم كما قال الله تعالى: ?ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً?[2]. فأقرّ الإسلام الطلاق ونظمه تنظيماً دقيقاً مراعياً في ذلك استقرار الأسرة وسعادتها من ناحية وحفظ كيان المجتمع البشري بأكمله من ناحية أخرى، يقول الله تعالى: ?الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان?[3].
3
ولو وضع الإسلام أو المشرع قانوناً يُحرم الطلاق لصاح الناس: هذا ظلم مبين، وهذا ما فطن إليه الفيلسوف الإنجليزي "بنتام" في كتابه "أصول الشرائع"، فقال: "لو ألزم القانون الزوجين بالبقاء - على ما بينهما من جفاء- لأكلت الضغينة قلوبهما، وكاد كلٌ منهما للآخر، وسعى إلى الخلاص منه بأية وسيلة ممكنة، وقد يهمل أحدهم صاحبه، ويلتمس متعة الحياة عند غيره، ولو أن أحد الزوجين اشترط على الآخر عند عقد الزواج ألا يفارقه، ولو حلّ بينهما الكراهية والخصام محل الحب والوئام لكان ذلك أمراً منكراً مخالفاً للفطرة ومجافياً للحكمة،
4
والحقيقة أن الإسلام كره الطلاق ونفَّر منه والرسول - صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق}[5]، واعتبر الحياة الزوجية لها قدسية خاصة لابد من احترامها، وأن هدمها ليس بالأمر السهل، فهي ميثاق غليظ ينبغي عدم نقضه بسهولة، والقرآن الكريم يقول فيه: ?وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً?[6].
5
وهذا دليل على أن الإسلام صان قداسة الزوجية من العبث بها، لما يترتب على ذلك من أضرار تقع على الأسرة وعلى المجتمع الإسلامي بأكمله، فوضع العقبات في طريق الطلاق ليمنع وقوعه أو يؤخره، وحبَّذ التريث في معالجة ما ينشب بين الرجل وامرأته لعل الأمور تعود إلى طبيعتها وهذا ما أوضحته آية الطلاق: ?لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً? [8]،
6
ومن هنا لا يرتضي الإسلام هذه الكلمة في كل وقت بل جعل لها أوقاتاً خاصة عند استحالة العشرة، بل واستبقى مجالاً للحياة الزوجية بعد الطلاق لعل مشاعر الحب تعود بينهما مرة أخرى أو يتدخل أهل الخير في جو هادئ لإصلاح الصدع بينهما وأولى الناس بهذه المهمة أقارب الزوجين، يقول الله تعالى: ?وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما?[9].
7
ولكن في الآونة الأخيرة كانت ظاهرة الطلاق أمراً مزعجاً لدى الأسرة المسلمة لما طرأ عليها من ارتفاع قد تكون نتيجة الظروف الراهنة التي تواجه المجتمعات الإسلامية أو التفكك الذي يعيش فيه العالم الإسلامي اليوم، أو التقصير في الحقوق الزوجية سواء كانت مادية أو معنوية أو اجتماعية الأمر الذي جعل كثيراً من المهتمين والمتخصصين والغيورين على الدين الإسلامي إفراد الأبحاث والمؤتمرات لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة على بناء وكيان الأسرة المسلمة، وإيجاد الحلول المناسبة للحد منها.
8
وقد قرأت رأياً للدكتورة/ هبة إبراهيم عيسى أستاذة الأمراض النفسية والعصبية في كلية الطب، جامعة عين شمس ملفتاً للانتباه ويؤكد خطورة ظاهرة الطلاق على بناء وكيان المجتمع الإسلامي، وبينت الآثار الخطيرة المترتبة عليه، فهي ترى أنه: "كثيراً ما يختلف الزوجان في خلافات حادة، ويكون فيها الطلاق حتمية مؤكد،
9
وفي هذه الدراسة أسأل الله - العلي القدير- أن يوفقني في بيان الآثار الشرعية والاجتماعية والتربوية، وأيضاً الآثار الاقتصادية الناتجة عن الطلاق،
10
المبحث الأول:
أولاً: معنى الطلاق.
ثانياً : الطلاق، حكمته ومشروعيته.
ثالثاً: أقسامه بالنظر إلى الآثار المترتبة عليه.
بدايةً وقبل البحث في الآثار المترتبة على الطلاق لابد لنا من بيان المصطلحات المذكورة لتكون مدخلاً واضحاً لمفهوم الطلاق في الشريعة الإسلامية، والحكمة الإلهية من مشروعية وإباحة الطلاق في الإسلام، ومن ناحية أخرى، فإن هذا البحث يحتم علينا أن نتكلم عن أقسام الطلاق وأحوال وقوعه مع بيان حكم كل قسم بالنظر إلى الآثار المترتبة عليه.
11
أولاً: معنى الطلاق:
لغة: الطلاق والإطلاق تعني: رفع وحل القيد سواء كان معنوياً كما في المرأة أو حسياً كما في غيرها، تقول أطلقت البعير من عقاله، وأطلقت لك التصرف في مالي والمرافعة عني[11].
ثانياً: رفع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص ونحوه، فالذي يرفع قيد النكاح في الحال هو الطلاق البائن، والذي يرفعه في المآل هو الرجعي بعد انقضاء العدة، أو بعد انضمام طلقتين إلى الأولى[12].
12
ثانياً: الطلاق حكمته ومشروعيته:
إن من يظن أن الإسلام أباح الطلاق مطلقاً بلا ضوابط وفتح للناس الأبواب على مصراعيها في الطلاق فقد أخطأ وتجنى على هذا الدين، وإن من يظن أيضاً بأن الإسلام قد حجر الطلاق ومنعه وقيده بغير الطرق الشرعية اعتقاداً منه إن ذلك عمل إنساني وأنه في صالح المرأة، فهو أيضاً جاهل في هذا الدين، بل إن العدل هو الذي جاء به الدين الإسلامي بلا إفراط ولا تفريط.
13
وإن الحكمة من تشريع الطلاق توفر الراحة لكلا الزوجين وضمان أداء الأسرة لواجبها الاجتماعي والإنساني كما قال الله تعالى: ?وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته?[15]، ومن هذه الحكمة التشريعية للطلاق ومن تلك الضرورات هي:
14
1. اختلاف الطبائع بين الزوجين وتباين الأخلاق وقد يطلع أحدهم على طبع أو خلق سيء وشاذ في الآخر مما لا يتحقق معه التواد والتراحم والسكن المنشود في الزواج، وقد يكون الزوج سيء العشرة خشن المعاملة أو تكون هي معوجة السلوك لا يستطاع تقويمها ولم يفلح التوفيق على ضوء قوله تعالى: ?وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً?[16].
15
2. قد يصاب أحد الزوجين بالعقم، فينهدم بذلك أسمى أهداف الزواج ومقاصده، أو قد يصاب أحد الزوجين بمرض عضال يعجز الطب عن علاجه ولا يقوى الآخر على احتماله لذلك فأن الشريعة الإسلامية تتسم بالواقعية حيال هذه الطوارئ، فلو أبقت على الزواج ومنعت الطلاق لضمدت الجرح على فساد، وثبتت الداء في معدنه، وأفسحت المجال للكيد والمكر بين الزوجين، فيستشري بذلك الفساد في المجتمع وتعم الرذيلة، فكان الحل بالفراق علاجاً لهذه المحاذير التي لا يقضى عليها إلا به، وفي هذا يقول "الموصلي" من فقهاء الحنفية: "ولأن مصالح النكاح قد تنقلب مفاسد والتوافق بين الزوجين قد يصير تنافراً، فالبقاء على النكاح حينئذٍ، يشتمل على مفاسد، من التباغض والعداوة والمقت وغير ذلك، فشرع الطلاق دفعاً لهذه المفاسد"[17
16
3. إذا كان الزوج معسراً غير مستطيع للإنفاق على زوجته خصوصاً إذا لم يكن للمرأة مصدراً أو مورداً غير هذه النفقة.
17
هذا وقد ثبت شرعية الطلاق في نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية كقوله تعالى: ?فطلقوهن لعدتهن?[18]، وقوله تعالى: ?لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، وقد طلق النبي - صلى الله عليه وسلم- حفصة لا لريبة ولا لكبر، وكذلك فعله الصحابة - رضي الله عنهم- واستكثر سيدنا الحسن بن علي - رضي الله عنه- النكاح والطلاق لهذا لم يخالف أحد في شرعيته والعقل يهدي إليه لأنه المخرج الوحيد كلما استحكم الخلاف واستعصت الحلول واستحالت الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق[20].
18
ثالثاً: أقسام الطلاق:
ينقسم الطلاق بالنظر إلى الآثار المترتبة عليه إلى ثلاثة أقسام[21]:
19
1. الطلاق الرجعي:
وهو الذي يملك فيه المطلق مراجعة مطلقته وإعادتها إلى عصمته وعقد نكاحه مادامت في العدة رضيت أم كرهت، يقول الله تعالى: ?والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، إن كن يؤمنَّ بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً?،
20
آثار الطلاق الرجعي:
يترتب على الطلاق الرجعي أمران:
أولاً: نقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته.
ثانياً: انتهاء الزوجية بين الزوجين إذا لم يراجعها أثناء العدة.
وعلى ذلك، فالطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية إلا بعد انتهاء العدة كما أنه يترتب على الزوجين فيه الأحكام الآتية:
21
1. لا تخرج الزوجة من بيت الزوجية التي تسكن فيه قبل الطلاق.
2. يجوز للزوج الدخول والخروج عليها وبدون إذنها.
3. إذا قام بالاستمتاع بها أثناء العدة يعتبر ذلك رجعة لها.
4. النفقة واجبة للزوجة مادامت في عدة الطلاق الرجعي الشرعية.
5. يرث كل منهما الآخر إذا مات أحدهما أثناء العدة.
6. يستطيع الزوج أن يعيد زوجته إلى عصمته أثناء العدة بدون إذنها ورضاها وبلا مهر ولا عقد جديدين.
7. لا يحق للزوجة المطالبة بمؤخر الصداق إلا بعد انتهاء العدة الشرعية.
22
2. الطلاق البائن بينونة صغرى:
وهو الذي لا يملك فيه المطلق مراجعة مطلقته في العدة ولكن يمكن فيه استئناف الحياة الزوجية بعقدٍ ومهرٍ جديدين، والطلاق البائن بينونة صغرى يحل قيد النكاح ويرفع أحكامه ويزيل ملك الزوج في الحال، ولا يبقي للزوجية أثر سوى العدة" ويجوز لمطلقها أن يتزوجها في العدة وبعدها إنما لا يكون ذلك إلا برضاها وبعقدٍ ومهرٍ جديدين ويمنع غيره من نكاحها في العدة وعلى ذلك لا يقع الطلاق البائن بينونة صغرى إلا في الأحوال الآتية:
23
أولاً: قبل الدخول الحقيقي ولو كان بعد الخلوة، يقول الله تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها?[24].
24
ثانياً: الطلاق على مال، وفي ذلك يقول الله : ?فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به?[25].
25
ثالثاً: الطلاق الذي يوقعه القاضي بناءً على طلب من الزوجة بسبب من الأسباب وقد نصّ قانون حقوق العائلة المذكور على أنواع من التفريق بحكم القاضي وقد ذكرت بعضاً منها فيما سبق، وفيه نصت المادة (89) على أن: "الطلاق بهذه الأسباب يكون بائناً ماعدا الطلاق بسبب امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته فيكون رجعياً.
26
آثار الطلاق البائن بينونة صغرى[26]:
1. يرفع أحكام النكاح فيزيل الملك في الحال ولكنه لا يرفع الحل ولا يبقي للزوجية أثر سوى العدة.
2. يحرم عليه الاستمتاع بها أو الخلوة.
3. يجب على المرأة أن تستتر في بيت الزوجية وتحتجب عن الزوج الذي طلقها ولا يدخل عليها أو ينظر إليها.
4. ليس له أن يرجعها إلى عصمته إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين سواء أثناء العدة أو بعدها.
5. الطلاق البائن بينونة صغرى أيضاً ينقص عدد الطلقات كالرجعي.
6. لا يتوارث الزوجان إذا مات أحدهم حتى ولو كانت في العدة إلا إذا كان فراراً من الميراث.
7. تستحق المطلقة نفقة العدة.
8. يجوز لها طلب مؤخر الصداق أو تابع المهر المعجل.
9. لا يستطيع المطلق إلحاق طلقة أخرى بها.
27
3. الطلاق البائن بينونة كبرى:
وهو الذي لا يستطيع فيه المطلق مراجعة مطلقته في العدة كالطلاق الرجعي، ولا استئناف الحياة الزوجية بينهما بعقدٍ ومهرٍ جديدين كالطلاق البائن بينونة صغرى بل تحرم عليه المرأة حرمة مؤقتة لا تنتهي إلا إذا تزوجت بزوجٍ آخر زواجاً شرعياً صحيحاً ويدخل بها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه، ولا يقع هذا النوع من الطلاق إلا في حالة واحدة وهي إذا كان مسبوقاً بطلقتين أي أن هذه الطلقة تكون المكملة للثلاث
28
آثار الطلاق البائن بينونة كبرى:
1. يحرم على المطلق الزواج من مطلقته إلا بعد أن تتزوج بآخر زواجاً شرعياً صحيحاً، ولا يجوز في ذلك المحلل الذي هو (التيس المستعار) - لعنه الله- كما جاء في الحديث المروي عن الترمذي عن ابن مسعود - رضي الله عنهما- قال: "لعن رسول الله المحلل والمحلل له"، وفي رواية أخرى: "لعن الله... الخ"، رواه ابن ماجة، وأحمد عن ابن عباس، ورواه الحاكم وصححه. و"البينونة الكبرى تزول بتزويج الزوجة بعد انقضاء عدتها زوجاً آخر لا بقصد التحليل وتحل للأول بعد افتراقها من الثاني بشرط الدخول ومرور العدة.
29
2. هذا الطلاق يزيل في الحال الملك والحل معاً.
3. تترتب على الطلاق البائن بينونة كبرى جميع الآثار المترتبة على الطلاق البائن بينونة صغرى والتي ذكرناها سابقاً.
30
الآثار الشرعية المترتبة على الطلاق:
يترتب على الطلاق آثار شرعية لابد أن يلتزم بها طرفي العلاقة شرعاً، قد لا تكون موجودة أثناء الحياة الزوجية أو قد تكون ممنوعة ومحرمة فأصبحت مباحة بعد الطلاق، أو قد تكون مباحة أثناء العلاقة الزوجية فأصبحت بعدها ممنوعة، كما أن هناك التزامات شرعية على المطلقة لابد من فعلها بعد الطلاق وهي أثر من آثاره شرعاً كالعدة مثلاً، وهذه الآثار الشرعية حددتها النصوص الشرعية سواء بالقرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، وعلى ذلك تكون ملزمة للمطلقين لأنه لا اجتهاد في مجال النص وهذه الآثار، هي:
31
أولاً: حل زواج من كانت تحرم على المطلق:
كأخت طليقته وعمتها أو خالتها أو أن يتزوج بالخامسة تحل محل الرابعة التي طلقت وبانت. وكان هؤلاء محرمات عليه قبل الطلاق، وكما هو معروف يحرم على الإنسان التزوج ببعض النساء وهذه الحرمة قد تكون مؤبدة أي لا يحل له الزواج بها مطلقاً لأن سبب تحريمها وصف ملازم لها لا يزول، كالتحريم بسبب القرابة النسبية كأصول الإنسان أمه وجدته وإن علون وفروع الإنسان مهما نزلن كبنته وبنت بنته، وفروع الأبوين مهما امتد حبل النسب كأخته وبنت أخيه وبنت أخته، والفروع المباشرون للأجداد والجدات كعمته وخالته سواء كانت شقيقته أو لأب أو عمته أو أحد أصوله وخالته... وهكذا. وهذه الحرمة المؤبدة هي وصف ملازم لها لا يزول حتى بعد الطلاق، وقد تكون الحرمة مؤقتة أي أنه لا يجوز له التزوج بها مادامت على صفة معينة قابلة للزوال عنها، فإذا زالت هذه الصفة أصبحت حلالاً يجوز الزواج بها، ومن أمثلة ذلك:
32
أ- المرأة المتزوجة ومن في حكمها كالمعدة، فلا يجوز الزواج بها إلا إذا زالت عنها هذه الصفة، فأصبحت مطلقة منتهية العدة تماماً، يقول الله تعالى: ?ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله?، أي لا تبرموا عقد النكاح إلا إذا انتهت العدة المفروضة المكتوبة.
33
ب- لا يجوز الجمع بين امرأتين كلٌ منهما محرم للأخرى فيحرم على من تزوج بامرأة أن يتزوج بأختها سواء كانت أختاً شقيقة أو لأب أو لأم، كما يحرم عليه أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها أو عمة أبيها أو عمة أمها أو خالة أبيها أو خالة أمها[28]، لما يؤدي هذا الجمع من قطيعة الرحم ووجود البغضاء بين المحارم بسبب ما قد يكون بين الزوجتين من غيرة، يقول الله تعالى: ?وأن تجمعوا بين الأختين?[29]
34
ت- إذا تزوجت المرأة المطلقة ببينونة كبرى بزواج ثانٍ ودخول حقيقي من الزوج الثاني، ثم طلقت وانتهت عدتها منه فإنها تحل للزوج الأول وهذا أثر شرعي من آثار الطلاق على الزوجة، حيث أنها تحل لزوجها الأول بعد الدخول الحقيقي والمفارقة بموت أو طلاق وانقضت عدتها، يقول الله تعالى: ?... فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره?[31].
35
ث- الزواج بامرأة خامسة إذا طلق الرابعة وانتهت عدتها، أما إذا كانت في عدتها من هذا الطلاق، فيحرم عليه الزواج بالخامسة لأن الرابعة لا تزال زوجته حكماً ويخالف الشافعي هذه الحالة[32]، ويرى صحة التزوج بالخامسة في عدة المطلقة طلاقاً بائناً لانقطاع الزوجية بالطلاق البائن، فلا تكون من يتزوجها في هذه الحالة خامسة بل تكون هي الرابعة لخروج المطلقة بائنة عن أن تكون زوجة.
36
ثانياً: حل زواج المطلقة بآخر غير مطلقها:
وهـذا أثـر شرعي يعطي الحق للمرأة التي طلقت وانتهت عدتها من زوجها الأول - سواء كان نوع الطلاق رجعياً أو بائناً- أن تتزوج بمن تشاء من الرجال، فإن هذا كان محرماً عليها لأنها كانت في عصمة زوجها الأول، يقول الله تعالى: ?والمحصنات من النساء?[33]، أي المتزوجات لا يجوز لهن الزواج وهن في عصمة أزواجهن إلا بعد الطلاق وانتهاء عدتها منه، ويقول الله تعالى: ?والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء?[34].
37
ثالثاً: حرمة النظر:
لا يحق للمطلق النظر إلى مطلقته أو الاختلاء بها أو النظر إلى عورتها إلا إذا كان الطلاق رجعياً، فإنه يعد رجعة لها باللفظ أو الفعل، كما قال الأحناف، والمطلقة أصبحت أجنبية عن زوجها، ويجري عليها حكم الأجنبيات، فلا يجوز لها أو له النظر إلى بعضيهما أو الاختلاء أو فعل شيء كان مباحاً لهما أثناء الزوجية، وهذا ما قاله الشافعية أيضاً[35].
وباعتبار المطلقة أجنبية من مطلقها، فالشرع الإسلامي لا يجيز للرجل البالغ أصلاً أن ينظر إلى امرأة أجنبية حتى ولو كانت غير مشتهاة، والأصل في تحريم النظر، قوله تعالى: ?قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن?[36].
38
رابعاً: الالتزام بالآداب الإسلامية للطلاق:
من نعم الله - سبحانه وتعالى- على الإنسان أن جعل له الزواج حتى يتمكن - رجلاً كان أو امرأة- من التمتع بقسط وافر من الاستقرار وتأسيس حياة أسرية مع الشريك الموافق والمناسب، فالإنسان لا يجد الراحة والاستقرار والاستقلال إلا في محيط أسرته، والله سبحانه وتعالى يقول : ?والله جعل لكم من بيوتكم سكناً?[37]، ويقول: ?ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها?[38]، فالزواج مطلب طبيعي لابد منه لما يتبعه من آثار طيبة في النفوس البشرية الميالة فطرياً إلى هذا الرباط المقدس ولذلك فرضه الله على عباده وجعله سنة لنبيه صلى الله عليه وسلم، فكل نعمة يحسبها الإنسان مغنية عن الزواج يكون مخطئاً في حسابه لأن الزواج حبل سماوي يربط بين القلوب ويقرب بين الأبعاد ويساعد على التقارب بين الناس بالمصاهرة.
39
خامساً: العدة:
أثر شرعي من آثار الطلاق فيه حق الله وهي مدة تتربص فيها المرأة بعد انتهاء الرابطة الزوجية ولا يحق لها الزواج قبل انتهائها ولا عدة للرجال لحديث: "الطلاق للرجال، والعدة للنساء" رواه الإمام مالك في الموطأ، فيحق للرجل أن يتزوج بغيرها عقب الطلاق مباشرة سواء كان الطلاق بائناً أو رجعياً إلا من يحرم الجمع بينهما، وفي مثل هذا يقال أن على الرجل عدة بمعنى أن يتربص مدة عدة المرأة فلا يتزوج بأختها أو عمتها أو خالتها أو بخامسة...، فهي عدة صورية له، وحقيقة العدة أنها للمرأة، وهي واجبة شرعاً على المطلقة إلا فيما استثناه الشرع كالمطلقة قبل الدخول، قال الله تعالى: ?وأحصوا العدة?[44]، قال العلماء: إن عدة الطلاق فيها حق للزوجين وحق لله وحق للولد وحق للناكح الثاني.
40
فحق الزوج: التمكن من الرجعة في العدة، فهو أولى بها من غيره وهي أولى به من غيرها لأنهما درسا أخلاق بعضيهما وتفهما الأحوال واستفادا من الأخطاء، فيتوقع استقرار الحياة الزوجية بعد هذه التجربة.
41
وحق الله: في العدة لوجوب ملازمتها المنزل، كما قال القرآن الكريم: ?لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة?[45]، وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهما.
42
وحق الولد: في عدم ضياع نسبه فلا يدري لأي الواطئين يكون.
43
وحق الزوجة: لما لها من النفقة زمن العدة، فهي زوجة أو كالزوجة أثناء العدة وكذلك حقيهما في الميراث.
44
وحق للناكح الثاني: لحفظ نسب الولد الذي يولد له من هذه المرأة وليتأكد أنه منه.
ومما يدل على أن العدة للزوج التعبير القرآني: ?فمالكم عليهن من عدة تعتدونها?، بعد قوله: ?يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها?، وكذلك قوله تعالى: ?وبعولتهن أحق بردهن في ذلك?[46].