Gahzali

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
Gahzali

منتدى عائلة الغزالي


    لحظــــة تأمـــــل من فضـــــلكمTo

    avatar
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 18402
    تاريخ التسجيل : 14/02/2009

    لحظــــة تأمـــــل من فضـــــلكمTo Empty لحظــــة تأمـــــل من فضـــــلكمTo

    مُساهمة  Admin الإثنين فبراير 07, 2011 8:39 pm

    لحظــــة تأمـــــل من فضـــــلكمTo: أجسامنا تخدمُنا.. ثم نضطهدها بقلم: د. غالب خلايلي نشر في مجلة طبيبك شباط 2011 قليلون أولئك الذين ينتبهون إلى أن أجسامهم تخدمهم، وهم في المقابليتعبونها، يضطهدونها، ينهكونها، ولا ينتبهون إلى الإشارات التي تبديها،ليأخذوا قسطاً من الراحة، يستعيدون فيه النشاط، فيتمكنوا من متابعةالعمل، وهو الغاية والهدف، وهو الأصل الذي تتعب به الأجسام. تأخذنا الحياة في دُوامها، فلا نستيقظ إلا على مرض، ونفاجأ بأن ذلك القلبالذي حَمَلنا دهراً لم يعد قادراً على حملنا خطوات، أو نفاجأ بكبد أوكُلية لم تعودا تحتملان المزيد من الضغط، أو دماغٍ تعب من حسابات الحياةالمعقدة التي لا تنتهي، ومن المجاملات السقيمة والمجادلات المرّة التيتتعب الأعصاب، أو نفاجأ بأن تلك الرئة تعبتْ من استشاق السخام والدخان،الذي (نكافئ) به أنفسنا أو (يكافئنا) به أصدقاؤنا (الأعزاء) في كل محفل،في البيت والعمل والحديقة، أو تكافئنا به بيئتُنا التي أُزهقت روحُهابدخان المصانع والمدافئ والسيارات القديمة. وطبيعي أن تكل شرايينا وتتصلب ويرتفع ضغطها وهي التي تروّي كل تلكالأعضاء الحيوية، وتنقل كل ذلك الأذى المادي والمعنوي، من الصباح الذيتُشرق فيه الشمس كئيبةً في بلدان أكلها التلوث، إلى المساء الذي ملّ كذبوتدليس الفضائيات السمجة، مروراً بيوم عمل طويل وثقيل، مليء بكلالتحدّيات التي تطال الإنسان في ذاته ورزقه، ومع ذلك كله لا نتوقف لحظةً–مجبرين أو طائعين- من أجل التفكر والتأمل. قليلون أولئك الذين يملكون سيّارات ولا (يفحصون) شرايينها الحيوية كل يومأو شهر أو حتى سنة، لكن هؤلاء الذين يعتنون بسياراتهم يثقون ثقةً عمياءبأجسامهم، فلا يعطونها حقها من الراحة والفحص، حتى عندما تبدأ تئنوتشتكي، حيث يقمعونها ويسحبونها سحباً إلى العمل بلا رحمة. وهكذا يبقىالعمل والخوف عليه هو المحور الذي يتمحور حوله الإنسان، وينسى أن الذييخدمه في حياته إنما هو جسمه وحواسه. الطبيب مثلا يحتاج إلى كل حواسهوجوارحه كي يفحص المريض ويصل إلى تشخيص. إنه يحتاج إلى مرونة أصابع يديهوسلامة اللمس في كل أصبع حتى يستطيع أخذ المعلومات الأولية، كما يحتاجإلى عينين صحيحتين وأذنين سليمتين ورقبة لا تتألم وظهر غير متشنج حتىيستطيع أن يناور وهو يفحص مريضه.. ولو تعطلت حاسة من الحواس أو حركة منالحركات لتعطل الفحص والتشخيص، فما بالك إن كان الطبيب جراحاً يحتاج (كمايقول المثل) إلى أنامل سيدة رقيقة وعيني صقر وقلب أسد؟ واقع الأمر يقول: إنه لا توجد مهنة لا تحتاج إلى سلامة الجسم والحواس،تلك التي تختلف الحاجة إليها حسب نوع المهنة، فطبيب الأسنان الذي يؤلمهكتفه أو ظهره لن يستطيع متابعة عمله، ناهيك عن سلامة اليدين والعينين..والمدرس يحتاج إلى كامل اللياقة البدنية والصوتية حتى يستطيع الوقوف أمامطلابه ساعة أو ساعات وهو يشرح ويتكلم. والحال هذه نرى طبيباً أو مدرساً أو مهندساً أو ممرضاً يصل الليل بالنهاروهو يكدّ ويعمل، ولا يجد فرصة للراحة، أو لا يوجدها لنفسه، وطبيعي أن منيعمل كثيرا يجهد وتتعب مناعته وتكثر أمراضه. وحتى في أثناء المرض نرى ذلك العامل يتحامل على نفسه ويذهب إلى العمللتأمين لقمة عياله، أو نرى ذلك الطبيب يخجل من الشكوى ومن مرضاه فيذهبلملاقاتهم، أو نرى المدرس يعض على الجرح ويهب إلى تلاميذه ليعلمهم. والمشكلة الأعمق هي أننا فوق كل ذلك نتعب أجسامنا بطعام كثير، ووزن زائد،وسهر طويل، وتدخين كثيف، وتجاهل للمرض، فما هو السبب يا ترى في كل هذاالاضطهاد؟ أهو قلة وعي بالحياة أم كره لها؟ أهو جهل بحقوق الجسم أم جبرية لا نهايةلها؟ أهو جهل بدور الإنسان في الحياة ومسؤوليته أمام الله والمجتمع أمتمرد على النواميس؟ أهو رغبة في مزيد من الكسب والتكديس أم ركض بلا طائلوخوف على المستقبل؟ أشياء كثيرة نفتقد إليها في بلادنا وواحد من أهمها الاطمئنان علىالمستقبل، والخوف من العجز والشيخوخة، ومخاوف لا يعلمها إلا الله، كل ذلكبسبب غياب نظام طبي اجتماعي يطمئن إليه الإنسان في مسيرة حياته، ولهذاتراه يركض ويركض لا يعمل إلى أين، لكنه يعلم أن عليه أن يركض. وكم هي سريعة وخاطفة حياة المرء، وكم يفاجأ الإنسان أنه كبر دون أن ينتبهفي مسيرة الركض الطويلة. في العشرين سنة الأولى يكون المرء فتيا نشيطا راكضا في دروب العلم (إنهداه الله)، فلا يتخرج قبل السنة الثانية والعشرين إن لم تطل دراسته حتىالثلاثين في طب أو هندسة. وفي عشر السنين التالية إلى العشرين، يكون فيحماسة شديدة إلى العمل (لاسيما في المنافسة الخانقة) والإنتاج وتأسيسأسرة، مع كل ما يتطلبه ذلك من جد واجتهاد و (ركض)، فإذا هو على مشارفالأربعين أو الخمسين، حيث يكتشف أن الجسم لم يعد مطواعا كما كان من قبل،وأن مباراة كرة القدم التي كان ينجزها (إن كان رياضيا) لم يعد قادرا علىلعب عشر دقائق فيها، إذ يلهث وكرشه أمامه، وسعاله لا يتوقف، خاصة إن كانقد (أكرم) نفسه بستين سيجارة يوميا، أو بأشياء أخرى. إنها دعوة لأخذ نَفَس (ليس أرجيلة بالطبع)، ومصارحة الذات، ومصالحةالجسم، كي نعرف: كيف سنكمل المشوار؟...


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 9:08 am